عبد الحميد بن باديس ( الإمام المجاهد )
(1307هـ : 1359هـ = 1889م: 1940م)
عبد الحميد بن باديس في سطور:
- ولد في مدينة قسطنطينة بالجزائر سنة 1307هـ = 1889م.
- تلقى تعليمه في بلده بعد أن حفظ القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة.
- رحل إلى تونس سنة (1326هـ = 1908م) والتحق بجامع الزيتونة.
- حصل على الشهادة العالمية بعد أربع سنوات، ثم سافر لأداء فريضة الحج، والتقى هناك ببعض العلماء، كما زار في طريق العودة مصر وسورية.
- بعد عودته إلى الجزائر ألقى دروسًا في التفسير وغيرها من المدن الكبرى هناك.
- أنشأ جمعية التربية والتعليم الإسلامية التي أسهمت في بناء المدارس التي عنيت بالثقافة العربية.
- تولي رئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أدت دورًا عظيمًا في إيقاظ الأمة ونشر الثقافة العربية الإسلامية، ووقفت ضد الاحتلال الفرنسي وأذنابه.
- توفي ابن باديس بعد حياة غير طويلة سنة 1359هـ = 1940م.
• توطئة:
إن الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا لو أرادت، بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد...، في لغتها، وفي أخلاقها، وعنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج ولها وطن معين هو الوطن الجزائري.
بهذا الكلام النفيس عبر ابن باديس عن موقف الأمة التي ينتمي إليها ضد المحتل الفرنسي، الذي سعى إلى طمس هوية الأمة، ومحاربة ثقافتها بلا هوادة وبكل وسيلة ممكنة، وتجريد الشعب الجزائري من شخصيته العربية الإسلامية، ودمجه قهرًا في البوتقة الفرنسية، وهدم عقيدة الأمة وقتل روح الجهاد فيها، وتجفيف منابع الثقافة الإسلامية بإغلاق المساجد والزوايا والكتاتيب، وحرق المكتبات، ومصادرة الأوقاف الإسلامية التي كان التعليم يعتمد عليها، ومحاربة اللغة العربية وإحلال الفرنسية محلها لتكون لغة التعليم والثقافة.
كان الاحتلال الفرنسي شديد الوطأة، غايةً في التعصب والتطرف، ولولا أن في الجزائر بقيةً من إيمان وإصرار لنجح المحتل الغاصب فيما سعى من أجله، لقد دافعت الأمة بكل ما تملك وبما توافر لديها من إمكانات عن وجودها، وقاد العلماء الجزائريون حركة المقاومة والنهوض بالحياة الفكرية والدينية، وأشعلوا جذوة الحمية والحماسة في صدور الجزائريين، وكان الشيخ عبد الحميد بن باديس أبرز هؤلاء العلماء المُصلحين.
• المولد والنشأة:
استقبلت مدينة قسطنطينة- عاصمة الشرق الجزائري- مولد عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس في (11من ربيع الآخر 1307هـ = 4 من ديسمبر 1889م)، ونشأ في أسرة كريمة ذات عراقة وثراء ودين، فأبوه كان حافظًا للقرآن، ويُعد من أعيان المدينة، وعُرف بدفاعه عن حقوق المسلمين في الجزائر، وينتمي إلى أسرة مشهورة في الشمال الإفريقي تنحدر من العائلة الصنهاجية التي سطعت في القرن الرابع الهجري، واشتهر من رجالها المعز بن باديس (398-454هـ = 1008- 1062م)، الذي انفصل بالدولة الصنهاجية عن الدولة الفاطمية، وأعلن مذهب أهل السنة والجماعة مذهبًا للدولة.
وفي هذا الجو المعطر بعبق التاريخ والدين حرص الوالد على تربية ابنه عبد الحميد تربيةً إسلاميةً خالصةً، فلم يدخله المدارس الفرنسية مثلما تفعل العائلات الكبيرة، بل أرسله إلى من يقوم بتحفيظه القرآن وتجويده، فأتمَّ ذلك وهو في الثالثة عشرة من عمره، ثم انتقل إلى العالم الكبير حمدان الونيسي بجامع سيدي محمد النجار، وتلقى منه العلوم العربية والإسلامية، واستطاع هذا العالم الجليل أن ينفذ إلى نفس تلميذه، ويطبع حياته العملية بطابع روحي وأخلاقي لم يفارقه طوال حياته.
• الرحلة في طلب العلم:
وبعد هجرة الشيخ حمدان الونيسي إلى المدينة المنورة سنة (1326هـ = 1908م) أراد ابن باديس أن يلحق به هناك، لكن والده منعه من ذلك لصغر سنه، وبعث به إلى تونس لاستكمال دراسته في جامع الزيتونة، وكانت منارة العلم في الشمال الإفريقي، وتلقى العلم في الزيتونة على جماعة من كبار العلماء البارزين، فلازم العلامة محمد الطاهر بن عاشور، وأخذ عنه الأدب وقرأ عليه ديوان الحماسة، وكان له تأثير كبير عليه عبر عنه ابن باديس بقوله: بث فيّ روحًا جديدة في فهم المنظوم والمنثور، وأحيت مني الشعور بعز العروبة والاعتزاز بها، كما أعتز بالإسلام.
وحضر دروس التفسير التي كان يلقيها الشيخ محمد النخلي القيرواني، وكانت دروسه تُحيي القلوب وتبث فيها الحياة، فالقرآن عنده كتاب حياة وكتاب نهضة ومدنية وعمران، وهدايةً للسعادة في الدنيا والآخرة، وسمع دروس التاريخ من الشيخ البشير صعز، وهو من العلماء التونسيين القلائل الذين جمعوا بين التعليم العربي والتعليم الغربي، مع إتقانه عدة لغات حية.
وقضي ابن باديس في جامع الزيتونة أربع سنوات ينهل من العلم، ويجدّ في تحصيل العلم، ويلازم الشيوخ والأئمة حتى أجيز بالتدريس، ومكث بعد تخرجه سنةً أخرى للتدريس بالجامع، ثم عاد إلى الجزائر، وكله عزم على بعث نهضة علمية جديدة، فألقى دروسه في الجامع الكبير بقسطنطينة وفي الجامع الأخضر، وعاد بالناس المحرومين إلى رياض القرآن الوارفة الظلال.